يعتبر النشاط المعدني، إذا لم يتقيد بقواعد صارمة تفرضها المعايير الدولية وتكون محل متابعة مستمرة من طرف هيئات رقابية مستقلة تشمل الهيئات الحكومية و هيئات المجتمع المدني و المنظمات البيئية الدولية المتخصصة، ذا طبيعة مدمرة للبيئة و للمجتمع وذا خطورة بالغة قد تهدد السلم الاجتماعي للمنطقة، وتكمن خطورة هذا النشاط في تأثيراته السلبية المتعددة المباشرة والغير مباشرة والتي تؤثر في المدى القريب و البعيد علي حد سواء.
ويزاد الأمر سوءا حين يكون هذا النشاط خاضع لشركات أجنبية عملاقة عابرة للقارات لا تهمها إلا مصالحها وتكون ذات تأثير قوي علي أنظمة فاسدة تحكم دول العالم الثالث تستطيع من خلال تحالفها معها أن تبطل أي محاولة لتوقيف مسلسل نهب الثروات وتدمير البيئة و انتهاك حقوق العمال في هذه الدول .
وتشكل الشركة الموريتانية للنحاس MCM مثالا حيا علي هذه الإنتهاكات، والتي نحاول من خلال هذه التدوينة تقديم أمثلة علي انتهاكاتها المستمرة للبيئة ولحقوق العمال ونهبها للثروات الوطنية و ضعف مردودية تدخلها الاجتماعي مقابل اﻷرباح الضخمة التي تجنيها من استغلالها لمنجم "كلب أم اكرين" الذي تستخرج منه، يوميا، مئات اﻷطنان من خام النحاس المركز، وعشرات الكيلوغرامات من الذهب الخالص.
أرباح شركة MCM بملايين الدولارات !!!
بدأ الإنتاج الفعلي في منجم "كلب ام كرين" في ابريل 2006 من طرف شركة MCM التي تملكها الشركة الكندية First Quantum في حين بدأ الإنتاج التجاري في شهر اكتوبر 2006،
واستخرجت الشركة، حتى اﻵن، 171.000 طن من النحاس المركز، و 354.000 اونسة من الذهب، ووصلت مداخيلها من المنجم إلى مليار وربع المليار دولار وذلك حسب ما اعترف به في موقعها الرسمي (المصدر)، ورغم ضخامة حجم هذه اﻷرقم الفلكية فإن دخل الدولة من هذه الأرباح لا يتعدي 3 بالمائة و ترتبط مع الشركة باتفاقية شكل الكشف عن تفاصيلها و حيثياتها صدمة في رأي العام، إذ تكرس هذه الاتفاقية ( إقرأ هنا نص الإتفاقية ) مفهوم النهب الممنهج للثروات، بأبهى تجلياتها، بنسبها الثلاث المخزية التي تحصل عليها الدولة، وبإلغائها الضرائب على الشركة وجميع عمالها الأجانب حتى سنة 2012 ، وبتحمل الدولة للمسؤولية القانونية عن تدمير البيئة، الذي ينتج عن استغلال المنجم من طرف الشركة، مما جعل اﻷخيرة تشرع في نهب للثروة المعدنية في اكجوجت دون خشية من المساءلة القانونية عن ذلك.
|
انتاج MCM بين 2011 و2007 |
|
مداخيل MCM من منجم كلب ام كرين ما بين 2007 و2011 |
MCM و البيئة ... لا دخان بلا نار
يشكل الخطر البيئي لاستغلال شركة MCM لمنجم "كلب ام كرين" الخطر اﻷكثر حساسية وخطورة لجسامة تأثيراته البيئة المستقبلية على المديين: البعيد والقريب؛ إذا لم يتدارك اﻷمر قبل فوات اﻷوان، وتزداد خطورة الموضوع إذا أخذنا في الاعتبار أن الشركة، قد تفلت من المساءلة القانونية عن جرائمها البيئية، نظرا للبند المتضمن في الاتفاقية المبرمة بين الدولة والشركة؛ والقاضي بتحمل الدولة لكافة المسؤولية القانونية عن انعكاس تأثير استغلال الشركة للمنجم على البيئة، هذا بالإضافة إلي أن الشركة لم تقم بدراسة التقييم الابتدائية لذلك، ولم تستدع أي مكتب خبرة مستقل للقيام بالدراسة، رغم وعودها بذلك، كما أنها تراقب نفسها بنفسها في ظل غياب الرقابة البيئية من طرف الدولة و وضع العراقيل أمام أي تحرك من طرف المجتمع المدني في هذا الاتجاه (مصدر).
زد على ذلك أن شركة MCM تعتمد طريقة، لتنقية المعدن من الفلزات، باستخدام مادة السيانيير الشديدة السمية، والتي تعتبر اﻷرخص واﻷشد خطرا علي البيئة، من بين جميع التقنيات المتوفرة في هذا المجال. كما أن استخدام هذه الطريقة أدي إلي اكبر كارثة بيئية في تاريخ اوروبا حين انفجر خزان لهذه المادة قرب مجاري احد اﻷنهار في رومانيا في العام 2004 مما نجم عنه نفوق اﻷﻵف من اﻷسماك، و تلوث واسع للمياه السطحية في المنطقة (مصدر).
إضافة إلي مادة اسيانيير، فإن الشركة لا تبذل أي جهد من اجل التخفيف من الروائح الكريهة المنبعثة من المنجم، والتي اعترفت الشركة علي لسان مسؤول البيئة فيها، بوجودها مكتفيا بالقول إنها غير سامة (مصدر - صحفي)!
أضف إلى ذلك خطورة الغبار المحمل بالمعادن والسموم، والذي تحمله الرياح التي تهب من اتجاه المنجم، والذي يشكل، حسب خبراء، خطرا أشد من خطر السيانيير والروائح الكريهة، وقد يؤدي استنشاقه إلى سرطان الرئة و أمراض الربو وضيق التنفس.
كما تشكل إجراءات السلامة التي تتبع الشركة محل تساؤل، بدءا بنقل المواد الكيماوية من ميناء أنواكشوط إلى أكجوجت (255 كلم) وظروف تخزينها في المصنع، وطرق استعمالها ومزجها، وكذلك حماية العمال منها، وخاصة منهم الذين يعملون في قسم تصفية الذهب المعروف باسم (CIAL)، والتي تعتمد فقط على الوقاية، حيث يحصل كل عامل على بطاقة شحن من فئة 2000 أوقية (7 يورو)!!! حين يبلغ عن خطأ أمني !!!، فأين هذا من الإلتزام بالمعايير الدولية في مجال طرق الأمن والسلامة ؟!.
وفي ظل هذا الوضع البيئي الخطير، فإنه من غير المستغرب ظهور ضحايا هذا لهذا التلوث البيئي، والذي يوثق هذا المستند لبعض من امثلتها (اضغط هنا) ، كما أدى هذا التلوث إلى رفع دعاوى عمومية باسم ساكنة هذه المدينة إضافة إلي قضايا أمام المحاكم باسم الضحايا من طرف عدة محامين، وإلى استقالات من طرف خبراء رفضوا الضغوط الممارسة عليهم، للسكوت على هذا الواقع المأساوي (مستند حول الموضوع) .
وعليه واعتمادا على ما سبق، فإنه يسهل الإستنتاج أن شركة MCM تشكل خطرا بيئيا حقيقيا على المنطقة، وذلك بما لا يدع مجالا للشك، و بناءا على المعلومات والوقائع المتوفرة وشهادات الخبراء الموثقة على مواقع المؤسسات الإعلامية المستقلة.
ماذا قدمت شركة MCM لساكنة اكجوجت ؟
تعتبر مدينة اكجوجت مدينة منجمية بامتياز، تعاقب علي استغلال ثرواتها المعدنية، منذ القرن الماضي، عدة شركات معدنية، كان لها، على اﻷقل، تأثيرا معتبرا ومردودية اجتماعية ملحوظة، من خلال المنشآت والمساكن والطرق والمرافق العمومية التي تركتها ورائها للساكنة، لكن شركة MCM ، ورغم التسهيلات الخيالية الممنوحة لها و اﻷرباح الضخمة التي تجنيها، شكلت استثناء صارخا لهذه القاعدة ...
وللتذكير فقط، فان الشركة لم تمول، منذ انطلاق إنتاجها قبل 5 سنين، أي مشروع اجتماعي يذكر، مكتفية فقط بـ"الترميم" لبعض المنشآت والمرافق الموجودة أصلا، مثل الترميم البطيء لحي "لوجمهات"، الذي بدأ منذ عام ونيف تقريبا، ولم ينته بعد! أو ترميمها للمستشفي الجهوي الذي ورثته أيضا عن: شركة المعادن الموريتانية SOMIMA، والذي لا تصدق عليه كلمة مستشفي لعدم إمكانية إجراء عملية جراحية فيه حتى اﻵن، رغم اكتمال تجهيزاته، واكتفائه بالخدمات التي يوفرها أي مركز صحي بسيط.
كما أن مشروع تزويد المدينة بالماء الشروب من بلدية "بنشاب" (130كلم)، والذي تتبجح به الشركة، يعتبر ضرورة لا غنى عنها للشركة، لأنها أولا: جلبت الماء للمنجم الذي تستغله والذي تستعمل منه يوميا 9000 م3 (تسعة آلاف متر مكعب) في استنزاف خيالي للمياه الجوفية، في منطقة، تعتبر المياه الصالحة للشرب عملة نادرة!، تماما على غرار مشروع ترميم الطريق الرابط بين اكجوجت وانواكشوط، والذي تستخدمه، على مدار الساعة، شاحنات الشركة التي تؤدي بحمولتها الثقيلة إلى إفساده، وهو أيضا مشروع كان موجودا قبلها.
|
MCM تتبجح بترميم لمراحيض احدي لمدارس! |
كما لا يلاحظ أي تدخل اجتماعي من طرف الشركة في المجال الثقافي، للتخفيف من آثار التسرب المدرسي، وانخفاض المستويات التعليمية في المدينة، بسبب هجرة الشباب لمقاعد الدراسة إلى العمل في هذه الشركة كعمال يدويين! هذا التأثير، الذي يعتبره البعض أخطر تأثير، غير مباشر للشركة، والذي يهدد بتخريج أجيال جاهلة تنقصها الثقافة والوعي وترتبط بالشركة ارتباطا عضويا، و تدور في فلكها أنى ما دارات.ونستخلص مما سبق، أن ساكنة هذه المدينة، لم تستفد من الشركة ولا من مردوديتها الاجتماعية، كما أن الشركة لم تسعى أبدا إلى ذلك، بل سعت إلى حصر دعمها لطبقة من المقربين ومن تعتبرهم وجهاء، وأشباه المثقفين، بل وحتى المنتخبين المحليين والجهويين، والموظفين العموميين من مدنيين وعسكريين، وغيرهم، وذلك لامتلاكهم وإسكات أي صوت ينادي بمعارضتها، سواء كان فرديا أو جمعويا، مستخدمة في ذلك شتي أنواع الضغط فتارة سياسة "فرق تسد" ومرة سياسية العصا والجزرة و والترغيب والترهيب.أخيرا، فإن نظرة عابرة على ما يسمى بـ "أحياء الترحيل"، أو على الأصح أحزمة الفقر المحيطة بمدينة أكجوجت، والتي تشكل حالة إنسانية محزنة، حيث لم يتم أي تأهيل للمنطقة التي رحلت إليها ساكنة هذه اﻷحياء، فأصبحوا مرميين، بلا ماء، ولا كهرباء، يفترشون العراء، ويلتحفون السماء، في مشهد يدل على التعاون الوثيق بين هذه الشركة والسلطات المحلية على خلق ظروف كهذه، والتي لم تشهدها هذه المدينة منذ نشأتها.
MCMو العمال .. النهب المستمر الحقوق
|
أمثلة من قمع اضرابات العمال من اجل عيون الشركة |
حسب الموقع الرسمي لشركة الأم First Quantum Minerals Ltd فإنه وحتى شهر ديسمبر 2011 فإن المنجم التابع لشركة MCM يضم حوالي 1500 عامل، أغلبهم مكتتبين من طرف مقاوليين ممثلين أساسا في شركة SMBTD - APRESCOGE والتي شكلت وضعيتهم محل انتقاد مستمر من طرف النقابات العمالية، ﻷن اﻷمر هنا يتعلق بالمتاجرة بالبشر، لأن هذه الشركة لا تمتلك أي معدات تشغلها بل تبيع الجهود العمالي مباشرة .
وقد شلت 4 إضرابات متتالية، 3 منها في عام 2011 والأخير في 2012 نشاط شركة MCM ، وفي كل مرة يتم التوقيع على اتفاق بين هذه الشركة وعمالها، لكنها تتنكر لمضامينه وتتملص من تنفيذه، فيلجأ العمال إلى الإضراب من جديد لتنفيذ مضامين ذلك الاتفاق، ولكن دخول الدولة على الخط لصالح الشركة وفرض الحل الأمني، الذي أدى إلى استشهاد عامل وعشرات الجرحى، مما نجم عنه إفشال الحراك النقابي، بعد توقيف بعض العمال، والشروع في فصل المندوب النقابي الوحيد، الذي رفض الرضوخ لمطلب وقف الإضراب، قبل تحقيق المطالب، مما نجم عنه تراجع المناديب عن جميع المطالب الواردة في العريضة المطلبية لهؤلاء العمال ... ( وثيقة حول الوضوع ) والنتيجة احتقان خطير في أوساط العمال والساكنة، على حد سواء.
ثمن السكوت ....
شكل التعتيم الإعلامي، وغياب الشفافية في جميع أنشطة الشركة، فيكفي أن يعرف القارئ أن شركة بمثل حجم شركة MCM لا تمتلك حتى موقعا ألكترونيا، وإنما نشرة إشهارية غير محينة، (http://mcm-news.com/) طابعا عاما لتعامل الشركة مع الوسط الإعلامي الدولي والمحلي، وتتوفر معلومات عن رفض الدولة والشركة لقاءات مع مؤسسات إعلامية كبيرة في حجم قناة الجزيرة الفضائية وقناة France 24 وغيرهما، كما لوحظ، خلال هذه السنة، انتشار واسع لإشهارات هذه الشركة في عدة مواقع وطنية محلية، مما يشكل، حسب البعض، طريقة أخرى لكم أفواه بعض المؤسسات الإعلامية للسكوت على جرائم هذه الشركة.
الخلاصة:
تشكل شركة MCM، وانطلاقا مما سبق، دولة داخل دولة، وهي بذلك تهدد السلم والأمن الاجتماعي، ناهيك عن ما تمثله من أخطار بيئية واقتصادية، على المديين المتوسط والبعيد، مما يتطلب منا جميعا تضافر الجهود من مجتمع مدني، وحقوقيين ونشطاء، من اجل فضح و توثيق ممارسات هذه الشركة الكندية التي تعمل على مدار الساعة لتدمير البيئة بعد نهب الثروات، وهذا الأمر يتطلب منا حملات وطنية ودولية في كافة وسائل الإعلام، وخاصة الدولي، موازاة مع التعاون مع المنظمات البيئية الدولية والوطنية، للضغط على الشركة اﻷم First Quantum Minerals Ltd وعلى الدولة الموريتانية من أجل إيقاف مسلسل النهب الممنهج للثروات و تدمير البيئة والمجتمع.
وتشكل الشركات اﻷجنبية في موريتانيا طريقة جديدة لنهب الثروات، بالتعاون مع المافيات واللوبيات المحلية و الوطنية والدولية، كما تشكل خطرا حقيقيا على السلم واﻷمن الإجتماعيين، خاصة في ظل عدم التوزيع العادل للثروة، والظلم والقمع المتواصل ضد أي نشاط يستهدف الحد من تأثير هذا الإستنزاف.
__________________________
تدخل هذه التدوينة في اطار اﻷسبوع الوطني للتدوين عن الشركات الأجنبية المعدنية و هي بقلم @Bezeid Yecoubمن مدونة مدينة أكجوجت